الدرس الثالث : نشأته صلى الله عليه وسلم وأبرز الأحداث في حياته قبل النبوة

الدرس الثالث : نشأته صلى الله عليه وسلم وأبرز الأحداث في حياته قبل النبوة

 

بَقِيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَ أُمّهِ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ وَجَدّهِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ فِي كَلَاءَةِ اللّهِ وَحِفْظِهِ يُنْبِتُهُ اللّهُ نَبَاتًا حَسَنًا لِمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ .

فَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سِتّ سِنِينَ تُوُفّيَتْ أُمّهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ بِالْأَبْوَاءِ بَيْنَ مَكّةَ وَالْمَدِينَةِ ، كَانَتْ قَدْ قَدِمَتْ بِهِ عَلَى أَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّار ِ تُزِيرُهُ إيّاهُمْ فَمَاتَتْ وَهِيَ رَاجِعَةٌ بِهِ إلَى مَكّةَ .

قُلْتُ: فِي صَحِيحِِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ زَارَ النَّبِىُّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ فَقَالَ: "اسْتَأْذَنْتُ رَبِّى فِى أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِى وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِى أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِى فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ" (1) .

ثُمَّ فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَ جَدّهِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ ، وَكَانَ يُوضَعُ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ فِرَاشٌ فِي ظِلّ الْكَعْبَةِ ، فَكَانَ بَنُوهُ يَجْلِسُونَ حَوْلَ فِرَاشِهِ ذَلِكَ حَتّى يَخْرَجَ إلَيْهِ لَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ بَنِيهِ إجْلَالًا لَهُ ؟

قَالَ : فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْتِي وَهُوَ غُلَامٌ جَفْرٌ حَتّى يَجْلِسَ عَلَيْهِ فَيَأْخُذَهُ أَعْمَامُهُ لِيُؤَخّرُوهُ عَنْهُ فَيَقُولُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ ، إذَا رَأَى ذَلِكَ مِنْهُمْ دَعُوا ابْنِي ، فَوَاَللّهِ إنّ لَهُ لَشَأْنًا ، ثُمّ يُجْلِسُهُ مَعَهُ عَلَى الْفِرَاشِ وَيَمْسَحُ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ وَيَسُرّهُ مَا يَرَاهُ يَصْنَعُ .

فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِِِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَمَانِي سِنِينَ هَلَكَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ . وَذَلِكَ بَعْدَ الْفِيلِ بِثَمَانِي سِنِينَ .

فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ مَعَ عَمّهِ أَبِي طَالِبٍ وَكَانَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ - فِيمَا يَزْعُمُونَ - يُوصِي بِهِ عَمَّهُ أَبَا طَالِب ٍ

وَذَلِكَ لِأَنّ عَبْدَ اللّهِ أَبَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبَا طَالِبٍ أَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ , أُمُّهُمَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ . فَكَانَ أَبُو طَالِبٍ هُوَ الّذِي يَلِي أَمْرَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ جَدّهِ فَكَانَ إلَيْهِ وَمَعَهُ .

فَشَبّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَللّهُ تَعَالَى يَكْلَؤُهُ وَيَحْفَظُهُ وَيَحُوطُهُ مِنْ أَقْذَارِ الْجَاهِلِيّةِ لِمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ وَرِسَالَتِهِ حَتّى بَلَغَ أَنْ كَانَ رَجُلًا ، أَفْضَلَ قَوْمِهِ مُرُوءَةً وَأَحْسَنَهُمْ خُلُقًا ، وَأَكْرَمَهُمْ حَسَبًا ، وَأَحْسَنَهُمْ جِوَارًا ، وَأَعْظَمَهُمْ حِلْمًا ، وَأَصْدَقَهُمْ حَدِيثًا ، وَأَعْظَمَهُمْ أَمَانَةً وَأَبْعَدَهُمْ مِنْ الْفُحْشِ وَالْأَخْلَاقِ الّتِي تُدَنّسُ الرّجَالَ تَنَزّهًا وَتَكَرّمًا ، حَتّى مَا اسْمُهُ فِي قَوْمِهِ إلّا الْأَمِينُ لِمَا جَمَعَ اللّهُ فِيهِ مِنْ الْأُمُورِ الصّالِحَةِ .

وَشَهِدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي شَبَابِه الأوَّل حِلْفَ الفُضُولِ, حَيْثُ تَدَاعَتْ قَبَائِلُ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى حِلْفٍ، فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ ؛ لِشَرَفِهِ وَسِنِّهِ، فَكَانَ حِلْفُهُمْ عِنْدَهُ: بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، وَأَسَدُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى. وَزُهْرَةُ بْنُ كِلَابٍ، وَتَيْمُ بْنُ مُرَّةَ , فَتَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا عَلَى أَنْ لَا يَجِدُوا بِمَكَّةَ مَظْلُومًا مِنْ أَهْلِهَا وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ دَخَلَهَا مِنْ سَائِرِ النَّاسِ إلَّا قَامُوا مَعَهُ، وَكَانُوا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ حَتَّى تُرَدَّ عَلَيْهِ مَظْلِمَتُهُ، فَسَمَّتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ الْحِلْفَ حِلْفَ الْفُضُولِ .

وَكَانَ هَذَا الحِلْفُ أَشْرَفَ حِلْفٍ عَرَفَتْهُ العَرَبُ , وَفِيهِ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: "شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ مَعَ عُمُومَتِي وَأَنَا غُلَامٌ فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّي أَنْكُثُهُ" (2)

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِي اللَّيْثِيُّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيَّ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُُ عَنْهُمَا، وَبَيْنَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ. وَالْوَلِيدُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ أَمَّرَهُ عَلَيْهَا عَمُّهُ مُعَاويَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ مُنَازَعَةً فِي مَالٍ كَانَ بَيْنَهُمَا بِذِي الْمَرْوَةِ. ( مَوضِع )

فَكَانَ الْوَلِيدُ تَحَامَلَ عَلَى الْحُسَيْنِ فِي حَقِّهِ لِسُلْطَانِهِ، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: أَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَتُنْصِفَنِّي مِنْ حَقِّي أَوْ لَآخُذَنَّ سَيْفِي، ثُمَّ لَأَقُومَنَّ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمَّ لَأَدْعُوَنَّ بِحِلْفِ الْفُضُولِ.

قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ عِنْدَ الْوَلِيدِ حِينَ قَالَ الْحُسَيْنُ مَا قَالَ: وَأَنَا أَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَئِنْ دَعَا بِهِ لَآخُذَنَّ سَيْفِي، ثُمَّ لَأَقُومَنَّ مَعَهُ حَتَّى يُنْصَفَ مِنْ حَقِّهِ أَوْ نَمُوتَ جَمِيعًا.

قَالَ: فَبَلَّغْتُ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ الزُّهْرِيَّ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ وَبَلَّغْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيَّ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ أَنْصَفَ الْحُسَيْنَ مِنْ حَقِّهِ حَتَّى رَضِيَ .

عَوْدةٌ إلى السِّيرةِ :

فَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً تَزَوّجَ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ .

وَكَانَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ امْرَأَةً تَاجِرَةً ذَاتَ شَرَفٍ وَمَالٍ تَسْتَأْجِرُ الرِّجَالَ فِي مَالِهَا وَتُضَارِبُهُمْ إيّاهُ بِشَيْءٍ تَجْعَلُهُ لَهُمْ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَوْمًا تُجّارًا ؛ فَلَمّا بَلَغَهَا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا بَلَغَهَا ، مِنْ صَدْقِ حَدِيثِهِ وَعِظَمِ أَمَانَتِهِ وَكَرَمِ أَخْلَاقِهِ بَعَثَتْ إلَيْهِ فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ فِي مَالٍ لَهَا إلَى الشّامِ تَاجِرًا ، وَتُعْطِيهِ أَفَضْلَ مَا كَانَتْ تُعْطِي غَيْرَهُ مِنْ التّجّارِ مَعَ غُلَامٍ لَهَا يُقَالُ لَهُ مَيْسَرَةَ فَقَبِلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهَا ، وَخَرَجَ فِي مَالِهَا ذَلِكَ وَخَرَجَ مَعَهُ غُلَامُهَا مَيْسَرَةُ حَتّى قَدِمَ الشّامَ .

فَلَمّا قَدِمَ مَكّةَ عَلَى خَدِيجَةَ بِمَالِهَا ، بَاعَتْ مَا جَاءَ بِهِ فَأَضْعَفَ أَوْ قَرِيبًا . وَكَانَتْ خَدِيجَةُ امْرَأَةً حَازِمَةً شَرِيفَةً لَبِيبَةً، مَعَ مَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَا مِنْ كَرَامَتِهِ ، فَبَعَثَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَتْ لَهُ : يَا ابْنَ عَمِّ. إنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِيكَ لِقَرَابَتِكَ، وَسِطَتِكَ فِي قَوْمِكَ وَأَمَانَتِكَ وَحُسْنِ خُلُقِكَ، وَصِدْقِ حَدِيثِكَ، ثُمَّ عَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا. وَكَانَتْ خَدِيجَةُ يَوْمئِذٍ أَوْسَطَ نِسَاءِ قُرَيْشٍ نَسَبًا، وَأَعْظَمَهُنَّ شَرَفًا، وَأَكْثَرَهُنَّ مَالًا؛ كُلُّ قَوْمِهَا كَانَ حَرِيصًا عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا لَوْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ . فَلَمّا قَالَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَكَرَ ذَلِكَ لِأَعْمَامِهِ فَخَرَجَ مَعَهُ عَمُّهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَتّى دَخَلَ عَلَى خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ ، فَخَطَبَهَا إلَيْهِ فَتَزَوّجَهَا . ( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِشْرِينَ بَكْرَةً . وَكَانَتْ أَوّلَ امْرَأَةٍ تَزَوّجَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يَتَزَوّجْ عَلَيْهَا غَيْرَهَا حَتّى مَاتَتْ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا )

فَوَلَدَتْ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَدَهُ كُلَّهُمْ - إلّا إبْرَاهِيمَ - : الْقَاسِمَ وَبَهْ كَانَ يُكَنّى صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالطّاهِرَ وَالطّيّبَ وَزَيْنَبَ ، وَرُقَيّةَ ، وَأُمّ كُلْثُومٍ ، وَفَاطِمَةَ .

( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَكْبَرُ بَنِيهِ الْقَاسِمُ ثُمّ الطّيّبُ ثُمّ الطّاهِرُ(3) وَأَكْبَرُ بَنَاتِهِ رُقَيّةُ ثُمّ زَيْنَبُ ثُمّ أُمّ كُلْثُومٍ ، ثُمّ فَاطِمَةُ ) .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَمّا الْقَاسِمُ وَالطّيّبُ وَالطّاهِرُ فَهَلَكُوا فِي الْجَاهِلِيّةِ وَأَمَّا بَنَاتُهُ فَكُلُّهُنَّ أَدْرَكْنَ الْإِسْلَامَ، فَأَسْلَمْنَ وَهَاجَرْنَ مَعَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .

وَأَمّا إبْرَاهِيمُ فَأُمّهُ مَارِيَةُ ( الْقِبْطِيّةُ ) سُرّيّةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّتِي أَهْدَاهَا إلَيْهِ الْمُقَوْقِسُ .

هَذَا وَلِخَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مَنَاقِبُ جَمَّةٌ , وَوَرَدَتْ فِي فَضَائِلِهَا أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ ؛ مَنْهَا مَا فِي الصَّحِيحَينِ مِنْ حَدِيثِ أََبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ (4) .

وَمِنْها مَا فِي الصَّحِيحَينِ - أَيْضَاً - مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ عَلِيًّا بِالْكُوفَةِ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ (5) .

وَمِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاَّ عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّى لَمْ أُدْرِكْهَا ( وَفِي رِوَايةٍ قَالَتْ: وَلَقَدْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِى بِثَلاَثِ سِنِينَ لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا ) . قَالَتْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ فَيَقُولُ : أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ . قَالَتْ فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا فَقُلْتُ خَدِيجَةَ !

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنِّى قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا (6) .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : كَانَتْ أَوّلَ مَنْ آمَنْ بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَصَدّقَ بِمَا جَاءَ مِنْهُ . فَخَفّفَ اللّهُ بِذَلِكَ عَنْ نَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا مِمّا يَكْرَهُهُ مِنْ رَدّ عَلَيْهِ وَتَكْذِيبٍ لَهُ فَيُحْزِنُهُ ذَلِكَ إلّا فَرّجَ اللّهُ عَنْهُ بِهَا إذَا رَجَعَ إلَيْهَا ، تُثَبّتُهُ وَتُخَفّفُ عَلَيْهِ وَتُصَدّقُهُ وَتُهَوّنُ عَلَيْهِ أَمْرَ النّاسِ رَحِمَهَا اللّهُ تَعَالَى .

فَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِبُنْيَانِ الْكَعْبَةِ ، فَجَزّأَتْ الْكَعْبَةَ ، فَكَانَ شِقّ الْبَابِ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَزُهْرَةَ ، وَكَانَ مَا بَيْنَ الرّكْنِ الْأَسْوَدِ وَالرّكْنِ الْيَمَانِي لِبَنِي مَخْزُومٍ وَقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ انْضَمّوا إلَيْهِمْ , وَكَانَ ظَهْرُ الْكَعْبَةِ لِبَنِي جُمَحٍ وَسَهْمٍ ، وَكَانَ شِقّ الْحَجَرِ لِبَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ ، وَلِبَنِي أَسَدِ بْنِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ ، وَلِبَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ ، وَهُوَ الْحَطِيمُ .

فَجَمَعُوا الْحِجَارَةَ لِبِنَائِهَا ، كُلّ قَبِيلَةٍ تَجْمَعُ عَلَى حِدَةٍ ثُمّ بَنَوْهَا ، حَتّى بَلَغَ الْبُنْيَانِ مَوْضِعَ الرّكْنِ ( الذي هو الحَجَرُ الأسْوَدُ ) فَاخْتَصَمُوا فِيهِ كُلّ قَبِيلَةٍ تُرِيدُ أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى مَوْضِعِهِ دُونَ الْأُخْرَى ، حَتّى تَحَاوَزُوا وَتَحَالَفُوا ، وَأَعَدّوا لِلْقِتَالِ فَقَرّبَتْ بَنُو عَبْدِ الدّارِ جَفْنَةً مَمْلُوءَةً دَمًا ، ثُمّ تَعَاقَدُوا هُمْ وَبَنُو عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ عَلَى الْمَوْتِ فَسُمّوا لَعَقَّةَ الدّمِ . فَمَكَثَتْ قُرَيْشٌ عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعَ لَيَالٍ أَوْ خَمْسًا .

ثُمّ إنّهُمْ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ وَتَشَاوَرُوا وَتَنَاصَفُوا عَلَى أنْ يَحْكُمُ بَينَهُم أَوّلُ دَاخِلٍ عَلَيهِم مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ .

فَكَانَ أَوّلَ دَاخِلٍ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا رَأَوْهُ قَالُوا : هَذَا الْأَمِينُ رَضِينَا ، هَذَا مُحَمّدٌ ؛ فَلَمّا انْتَهَى إلَيْهِمْ وَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَلُمّ إلَيّ ثَوْبًا ، فَأُتِيَ بِهِ فَأَخَذَ الرّكْنَ فَوَضَعَهُ فِيهِ بِيَدِهِ .

ثُمّ قَالَ لِتَأْخُذَ كُلّ قَبِيلَةٍ بِنَاحِيَةٍ مِنْ الثّوْبِ ثُمّ ارْفَعُوهُ جَمِيعًا ، فَفَعَلُوا : حَتّى إذَا بَلَغُوا بِهِ مَوْضِعَهُ وَضَعَهُ هُوَ بِيَدِهِ ثُمّ بَنَى عَلَيْهِ .

وَلْنَخْتِم هَذَا الفَصْلَ بِذِكْرِ شَيءٍ مِنْ بِدَعِ قُرَيشٍ فٍي الجَاهِليةِ ؛

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَتْ قُرَيْشٌ - لَا أَدْرِي أَقَبْلَ الْفِيلِ أَمْ بَعْدَهُ - ابْتَدَعَتْ رَأْيَ الْحُمْسِ رَأْيًا رَأَوْهُ وَأَدَارُوهُ فَقَالُوا : نَحْنُ بَنُو إبْرَاهِيمَ وَأَهْلُ الْحُرْمَةِ وَوُلَاةُ الْبَيْتِ وَقُطّانُ مَكّةَ وَسَاكِنُهَا ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْعَرَبِ مِثْلُ حَقّنَا ، وَلَا مِثْلُ مَنْزِلَتِنَا ، وَلَا تَعْرِفُ لَهُ الْعَرَبُ مِثْلَ مَا تَعْرِفُ لَنَا ، فَلَا تُعَظّمُوا شَيْئًا مِنْ الْحِلّ كَمَا تُعَظّمُونَ الْحَرَمَ ، فَإِنّكُمْ إنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ اسْتَخَفّتْ الْعَرَبُ بِحُرْمَتِكُمْ وَقَالُوا قَدْ عَظّمُوا مِنْ الْحِلّ مِثْلَ مَا عَظّمُوا مِنْ الْحَرَمِ .

فَتَرَكُوا الْوُقُوفَ عَلَى عَرَفَةَ ، وَالْإِفَاضَةَ مِنْهَا ، وَهُمْ يَعْرِفُونَ وَيُقِرّونَ أَنّهَا مِنْ الْمَشَاعِرِ وَالْحَجّ وَدِينِ إبْرَاهِيمَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَرَوْنَ لِسَائِرِ الْعَرَبِ أَنْ يَقِفُوا عَلَيْهَا ، وَأَنْ يُفِيضُوا مِنْهَا ، إلّا أَنّهُمْ قَالُوا : نَحْنُ أَهْلُ الْحَرَمِ ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَخْرُجَ مِنْ الْحُرْمَةِ وَلَا نُعَظّمُ غَيْرَهَا كَمَا نُعَظّمُهَا نَحْنُ الْحُمْسُ وَالْحُمْسُ أَهْلُ الْحَرَمِ ، ثُمّ جَعَلُوا لِمِنْ وُلِدُوا مِنْ الْعَرَبِ مِنْ سَاكِنِ الْحِلّ وَالْحَرَمِ مِثْلَ الّذِي لَهُمْ بِوِلَادَتِهِمْ إيّاهُمْ يَحِلّ لَهُمْ مَا يَحِلّ لَهُمْ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ . وَكَانَتْ كِنَانَةُ وَخُزَاعَةُ قَدْ دَخَلُوا مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمَّ ابْتَدَعُوا فِي ذَلِكَ أُمُورًا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ، حَتَّى قَالُوا : لَا يَنْبَغِي لِلْحُمْسِ أَنْ يَأْتَقِطُوا الْأَقِطَ وَلَا يَسْلَئُوا السّمْنَ وَهُمْ حُرُمٌ وَلَا يَدْخُلُوا بَيْتًا مِنْ شَعَرٍ وَلَا يَسْتَظِلّوا إنْ اسْتَظَلّوا إلّا فِي بُيُوتِ الْأَدَمِ مَا كَانُوا حُرُمًا ، ثُمّ رَفَعُوا فِي ذَلِكَ فَقَالُوا : لَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْحِلّ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ طَعَامٍ جَاءُوا بِهِ مَعَهُمْ مِنْ الْحِلّ إلَى الْحَرَمِ ، إذَا جَاءُوا حُجّاجًا أَوْ عُمّارًا ، وَلَا يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ إذَا قَدِمُوا أَوّلَ طَوَافِهِمْ إلّا فِي ثِيَابِ الْحُمْسِ فَإِنّ لَمْ يَجِدُوا مِنْهَا شَيْئًا طَافُوا بِالْبَيْتِ عُرَاةً فَإِنْ تَكَرّمَ مِنْهُمْ مُتَكَرّمٌ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَلَمْ يَجِدْ ثِيَابَ الْحُمْسِ فَطَافَ فِي ثِيَابِهِ الّتِي جَاءَ بِهَا مِنْ الْحِلّ أَلْقَاهَا إذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ ثُمّ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا ، وَلَمْ يَمَسّهَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ غَيْرُهُ أَبَدًا .

 

فَكَانَتْ الْعَرَبُ تُسَمّي تِلْكَ الثّيَابَ اللَّقَى . فَحَمَلُوا عَلَى ذَلِكَ الْعَرَبَ ، فَدَانَتْ بِهِ . وَوَقَفُوا عَلَى عرفَاتٍ ، وَأَفَاضُوا مِنْهَا ، وَطَافُوا بِالْبَيْتِ عُرَاةً أَمّا الرّجَالُ فَيَطُوفُونَ عُرَاةً , وَأَمّا النّسَاءُ فَتَضَعُ إحْدَاهُنّ ثِيَابَهَا كُلّهَا إلّا دِرْعًا مُفَرّجًا عَلَيْهَا ، ثُمّ تَطُوفُ فِيهِ .

فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتّى بَعَثَ اللّهُ تَعَالَى مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ حَيْنَ أَحْكَمَ لَهُ دِينَهُ وَشَرَعَ لَهُ سُنَنَ حَجّهِ { ثُمّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } يَعْنِي قُرَيْشًا . وَالنّاسُ: الْعَرَبُ .

فَرَفَعَهُمْ فِي سُنّةِ الْحَجّ إلَى عَرَفَاتٍ وَالْوُقُوفِ عَلَيْهَا وَالْإِفَاضَةِ مِنْهَا . وَأَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْهِ فِيمَا كَانُوا حَرّمُوا عَلَى النّاسِ مِنْ طَعَامِهِمْ وَلَبُوسِهِمْ عِنْدَ الْبَيْتِ ، حَيْنَ طَافُوا عُرَاةً وَحَرّمُوا مَا جَاءُوا بِهِ مِنْ الْحِلّ مِنْ الطّعَامِ { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ الّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطّيّبَاتِ مِنَ الرّزْقِ قُلْ هِيَ لِلّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

فَوَضَعَ اللّهُ تَعَالَى أَمْرَ الْحُمْسِ وَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ ابْتَدَعَتْ مِنْهُ عَلَى النّاسِ بِالْإِسْلَامِ حَيْنَ بَعَثَ اللّهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، عَنْ عَمّهِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، قَالَ لَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَإِنّهُ لَوَاقِفٌ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ بِعَرَفَاتٍ مَعَ النّاسِ مِنْ بَيْنَ قَوْمِهِ حَتّى يَدْفَعُ مَعَهُمْ مِنْهَا تَوْفِيقًا مِنْ اللّهِ لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .

قُلْتُ: فِي الصَّحِيحينِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ أَضْلَلْتُ بَعِيرًا لِي فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا بِعَرَفَةَ فَقُلْتُ هَذَا وَاللَّهِ مِنْ الْحُمْسِ فَمَا شَأْنُهُ هَا هُنَا (7) .

وَفِي الصَّحِيحينِ - أيْضَاً - عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَتِ الْعَرَبُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرَاةً إِلاَّ الْحُمْسَ وَالْحُمْسُ قُرَيْشٌ وَمَا وَلَدَتْ كَانُوا يَطُوفُونَ عُرَاةً إِلاَّ أَنْ تُعْطِيَهُمُ الْحُمْسُ ثِيَابًا فَيُعْطِى الرِّجَالُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءُ النِّسَاءَ وَكَانَتِ الْحُمْسُ لاَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ وَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ يَبْلُغُونَ عَرَفَاتٍ.

قَالَ هِشَامٌ فَحَدَّثَنِى أَبِى عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللهُ عَنْهَا قَالَتِ الْحُمْسُ هُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ } قَالَتْ كَانَ النَّاسُ يُفِيضُونَ مِنْ عَرَفَاتٍ وَكَانَ الْحُمْسُ يُفِيضُونَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ يَقُولُونَ لاَ نُفِيضُ إِلاَّ مِنَ الْحَرَمِ فَلَمَّا نَزَلَتْ { أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ } رَجَعُوا إِلَى عَرَفَاتٍ (8).

 

ــــــــــــ

الحاشية:

(1) صحيح مسلم ( 976 )

(2) أخرجه أحمد ( 1 / 193 ) , وأبو يعلى ( 844 ) , وابن حبان ( 4373 ) . بإسناد صحيح من حديث عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه .

وسمَّاه : حلف المطيَّبين ؛ لأن القبائل التى تحالفت في حلف الفُضول هى نفسها التى تحالفت في حلف المطيَّبين , وكان حلف المطيَّبين قديماً قبل أن يولد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة طويلة .

(3) يرى بعض العلماء أن الطيب والطاهر لقبان لولده عبدالله .

قال الإمام ابن القيم : هو الصحيح . ( زاد المعاد )

(4) صحيح البخاري ( 3820 ) , وصحيح ومسلم ( 2432 )

(5) صحيح البخاري ( 3815 ) , وصحيح مسلم ( 2430 )

(6) صحيح مسلم ( 2435 )

(7) صحيح البخاري ( 1664 ) , وصحيح مسلم ( 1220 )

(8) صحيح البخاري ( 1665 ) , وصحيح مسلم (1219 ) واللفظ له .