الدرس الثاني عشر : أحداث السنة الأولى , وشيء من أحداث السنة الثانية للهجرة

الدرس الثاني عشر :

أحداث السنة الأولى , وشيء من أحداث السنة الثانية للهجرة

 

فَلَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِِِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، وَاجْتَمَعَ إلَيْهِ إخْوَانُهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، وَاجْتَمَعَ أَمْرُ الْأَنْصَارِ، اسْتَحْكَمَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ، فَقَامَتْ الصَّلَاةُ، وَفُرِضَتْ الزَّكَاةُ وَالصِّيَامُ، وَقَامَتْ الْحُدُودُ، وَفُرِضَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَتَبَوَّأَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ هُمْ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ .

تَشْرِيعُ الأَذَانِ

وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِِِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْنَ قَدِمَهَا إنَّمَا يَجْتَمِعُ النَّاسُ إلَيْهِ لِلصَّلَاةِ لِحِينِ مَوَاقِيتِهَا، بِغَيْرِ دَعْوَةٍ، فَهَمَّ رَسُولُ اللَّهِِِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْنَ قَدِمَهَا أَنْ يَجْعَلَ بُوقًا كَبُوقِ يَهُودَ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِهِ لِصَلَاتِهِمْ، ثُمَّ كَرِهَهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِالنَّاقُوسِ، فَنُحِتَ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلْمُسْلِمَيْنِ لِلصَّلَاةِ . فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، إذْ رَأَى عَبْدُ اللَّهِِ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، النِّدَاءَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِِ، إنَّهُ طَافَ بِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ طَائِفٌ : مَرَّ بِي رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَتَبِيعُ هَذَا النَّاقُوسَ ؟ قَالَ : وَمَا تَصْنَعُ بِهِ ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَمَا هُوَ ؟ قَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُِ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُِ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِِِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِِِ، حَيِّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيِّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيِّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيِّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُِ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ . ( وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ : ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّى غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ وَتَقُولُ إِذَا أَقَمْتَ الصَّلاَةَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَىَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَىَّ عَلَى الْفَلاَحِ قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ) .

فَلَمَّا أَخْبَرَ بِهَا رَسُولَ اللَّهِِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٍّ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِهَا عَلَيْهِ، فَلْيُؤَذِّنْ بِهَا، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ " .

فَلَمَّا أَذَّنَ بِهَا بِلَالٌ سَمِعَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِِِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ " .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ أَبِيهِ (1) .

حُمَّى المَدِينَةِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُُ عَنْهَا، قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِِِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، قَدِمَهَا وَهِيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللَّهِ مِنْ الْحُمَّى، فَأَصَابَ أَصْحَابَهُ مِنْهَا بَلَاءٌ وَسَقَمٌ، فَصَرَفَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

قَالَتْ : فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَبِلَالٍ، مَوْلَيَا أَبِي بَكْرٍ، مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، فَأَصَابَتْهُمْ الْحُمَّى، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَعُودُهُمْ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ، وَبِهِمْ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ مِنْ شِدَّةِ الْوَعْكِ، فَدَنَوْتُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ لَهُ : كَيْفَ تَجِدُكَ يَا أَبَتْ ؟

فَقَال :

كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ *** وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ

قَالَتْ : فَقُلْتُ: وَاَللَّهِ مَا يَدْرِي أَبِي مَا يَقُولُ .

قَالَتْ : ثُمَّ دَنَوْتُ إلَى عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ فَقُلْتُ لَهُ : كَيْفَ تَجِدُكَ يَا عَامِرُ ؟

فَقَالَ :

لَقَدْ وَجَدْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ *** إنَّ الْجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ

كُلُّ امْرِئٍ مُجَاهَدٌ بِطَوْقِهِ (2) *** كَالثَّوْرِ يَحْمِي جِلْدَهُ بِرَوْقِهِ

قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاَللَّهِ مَا يَدْرِي عَامِرٌ مَا يَقُولُ .

قَالَتْ : وَكَانَ بِلَالٌ إذَا تَرَكَتْهُ الْحُمَّى اضْطَجَعَ بِفِنَاءِ الْبَيْتِ ثُمَّ رَفَعَ عَقِيرَتَهُ فَقَالَ:

أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً *** بِفَخٍّ (3) وَحَوْلِي إذْخِرٌ وَجَلِيلُ

وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجِنَّةٍ *** وَهَلْ يَبْدُونَ لِي شَامَةٌ وَطُفَيْلُ (4)

( وَفِي رِوَايَةِ البُخَارِيِّ يَقُولُ بِلاَلٌ عَقِبَ هَذِهِ الأبْيَاتِ : اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الْوَبَاءِ )

قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُُ عَنْهَا: فَذَكَرْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا سَمِعْتُ مِنْهُمْ، فَقُلْتُ: إنَّهُمْ لَيَهْذُونَ وَمَا يَعْقِلُونَ مِنْ شِدَّةِ الْحُمَّى.

قَالَتْ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِِِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ إلَيْنَا مَكَّةَ، أَوْ أَشَدَّ، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّهَا وَصَاعِهَا وَانْقُلْ وَبَاءَهَا إلَى مَهْيَعَةَ " ومَهْيَعَةُ، الْجُحْفَةُ (5).

بَدْءُ القِتَالِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَهَيَّأَ لِحَرْبِهِ، فَقَامَ فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُِ بِهِ مِنْ جِهَادِ عَدُوِّهِ، وَقِتَالِ مَنْ أَمَرَهُ اللَّهُِ بِهِ مِمَّنْ يَلِيهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، مُشْرِكِي الْعَرَبِ .

وَكَانَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِِِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، حِينَ اشْتَدَّ الضَّحَاءُ، وَكَادَتْ الشَّمْسُ تَعْتَدِلَ، لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ، وَرَسُولُ اللَّهِِِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُ اللَّهُِ عَزَّ وَجَلَّ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَشَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ، وَجُمَادَيَيْنِ، وَرَجَبًا، وَشَعْبَانَ، وَشَهْرَ رَمَضَانَ، وَشَوَّالًا، وَذَا الْقِعْدَةِ، وَذَا الْحَجَّةِ - وَوَلِيَ تِلْكَ الْحَجَّةَ الْمُشْرِكُونَ – وَالْمُحَرَّمَ .

غَزْوَةُ الْأَبْوَاءَ

ثُمَّ خَرَجَ غَازِيًا فِي صَفَرَ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ.

( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ )

حَتَّى بَلَغَ وَدَّانَ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ، يُرِيدُ قُرَيْشًا وَبَنِيَّ ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، فَوَادَعَتْهُ فِيهَا بَنُو ضَمْرَةَ، وَكَانَ الَّذِي وَادَعَهُ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ مَخْشِيُّ بْنُ عَمْرٍو الضَّمْرِيُّ، وَكَانَ سَيِّدَهُمْ فِي زَمَانِهِ ذَلِكَ . ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِِِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ صَفَرٍ، وَصَدْرًا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.

( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا )

وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِِِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُقَامِهِ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ فِي سِتِّينَ أَوْ ثَمَانِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ، فَسَارَ حَتَّى بَلَغَ مَاءً بِالْحِجَازِ، بِأَسْفَلَ ثَنِيَّةِ الْمُرَّةِ، فَلَقِيَ بِهَا جَمْعًا عَظِيمًا مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، إلَّا أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَدْ رُمِيَ يَوْمَئِذٍ بِسَهْمٍ، فَكَانَ أَوَّلَ سَهْمٍ رُمِيَ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ.

ثُمَّ انْصَرَفَ الْقَوْمُ عَنْ الْقَوْمِ، وَلِلْمُسْلِمِينَ حَامِيَةٌ . وَفَرَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى الْمُسْلِمِينَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرِو الْبَهْرَانِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ الْمَازِنِيُّ حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَلَكِنَّهُمَا خَرَجَا لِيَتَوَصَّلَا بِالْكُفَّارِ. وَكَانَ عَلَى الْقَوْمِ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَتْ رَايَةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ - فِيمَا بَلَغَنِي - أَوَّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِِِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِسْلَامِ، لِأَحَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (6). وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ حِينَ أَقْبَلَ مِنْ غَزْوَةِ الْأَبْوَاءِ، قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَدِينَةِ .

وَبَعَثَ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ، حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، إلَى سِيْفِ الْبَحْرِ، مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ، فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ .

فَلَقِيَ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ بِذَلِكَ السَّاحِلِ فِي ثَلَاثِ ماِئَةِ رَاكِبٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ . فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِيُّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيُّ . وَكَانَ مُوَادِعًا لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، فَانْصَرَفَ بَعْضُ الْقَوْمِ عَنْ بَعْضٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ : كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوَّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِِِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَحَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَذَلِكَ أَنَّ بَعْثَهُ وَبَعْثَ عُبَيْدَةَ كَانَا مَعًا، فَشُبِّهَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ. فَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ . فَأَمَّا مَا سَمِعْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا. فَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ أَوَّلُ مَنْ عُقِدَ لَهُ .

غَزْوَةُ بُوَاطَ

ثُمَّ غَزَا رَسُولُ اللَّهِِِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ يُرِيدُ قُرَيْشًا.

( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ السَّائِبَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ ) حَتَّى بَلَغَ بُوَاطٍ، مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فَلَبِثَ بِهَا بَقِيَّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَبَعْضَ جُمَادَى الْأُولَى.

غَزْوَةُ الْعُشَيْرَةِ

ثُمَّ غَزَا قُرَيْشًا - فَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ –

فَسَلَكَ عَلَى نَقْبِ بَنِي دِينَارٍ (7)، ثُمَّ عَلَى فَيْفَاءِ الْخَبَار (8)ِ، حَتَّى نَزَلَ الْعُشَيْرَةَ(9) مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ .

فَأَقَامَ بِهَا جُمَادَى الْأُولَى وَلَيَالِيَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَدَعَا فِيهَا بَنِي مُدْلِجٍ وَحُلَفَاءَهُمْ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا .

قَالَ الإمَامُ البُخَارِيُّ فِي أَوْلِ كِتَاب الْمَغَازِي مِنْ صَحِيحِهِ : قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَوَّلُ مَا غَزَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَبْوَاءَ ثُمَّ بُوَاطَ ثُمَّ الْعُشَيْرَةَ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِِِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ غَزْوَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فِي ثَمَانِيَةِ رَهْطٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، فَخَرَجَ حَتَّى بَلَغَ الْخَرَّارَ (10) مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا .

( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ بَعْثَ سَعْدٍ هَذَا كَانَ بَعْدَ حَمْزَةَ )

غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمْ يُقِمْ رَسُولُ اللَّهِِِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ حِينَ قَدِمَ مِنْ غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ إلَّا لَيَالِيَ قَلَائِلَ لَا تَبْلُغُ الْعَشْرَ، حَتَّى أَغَارَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ .

فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِِِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِهِ - وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - حَتَّى بَلَغَ وَادِيًا، يُقَالُ لَهُ: سَفْوَانُ، مِنْ نَاحِيَةِ بَدْرٍ، وَفَاتَهُ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ، فَلَمْ يُدْرِكْهُ، وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى .

ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِِِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ .

سَرِّيةُ وَادِي نَخْلَةَ

وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِِِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ الْأَسَدِيَّ فِي رَجَبٍ، مَقْفَلَهُ مِنْ بَدْرٍ الْأُولَى، وَبَعَثَ مَعَهُ ثَمَانِيَةَ رَهْطٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَنْظُرَ فِيهِ حَتَّى يَسِيرَ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يَنْظُرَ فِيهِ، فَيَمْضِيَ لِمَا أَمَرَهُ بِهِ، وَلَا يَسْتَكْرِهَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا .

وَكَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ : أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ , وَعَبْدُ اللَّهِِ بْنُ جَحْشٍ، وَهُوَ أَمِيرُ الْقَوْمِ، وَعُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ , وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. , وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ، وَسُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ .

فَلَمَّا سَارَ عَبْدُ اللَّهِِ بْنُ جَحْشٍ يَوْمَيْنِ فَتَحَ الْكِتَابَ، فَنَظَرَ فِيهِ فَإِذَا فِيهِ: إذَا نَظَرْتَ فِي كِتَابِي هَذَا فَامْضِ حَتَّى تَنْزِلَ نَخْلَةَ، بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، فَتَرَصَّدْ بِهَا قُرَيْشًا وَتَعَلَّمْ لَنَا مِنْ أَخْبَارِهِمْ .

فَلَمَّا نَظَرَ عَبْدُ اللَّهِِ بْنُ جَحْشٍ فِي الْكِتَابِ، قَالَ: سَمْعًا وَطَاعَةً، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: قَدْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِِِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَمْضِيَ إلَى نَخْلَةَ، أَرْصُدَ بِهَا قُرَيْشًا، حَتَّى آتِيَهُ مِنْهُمْ بِخَبَرِ، وَقَدْ نَهَانِي أَنْ أَسْتَكْرِهَ أَحَدًا مِنْكُمْ . فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الشَّهَادَةَ وَيَرْغَبُ فِيهَا فَلْيَنْطَلِقْ، وَمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ؛ فَأَمَّا أَنَا فَمَاضٍ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَضَى وَمَضَى مَعَهُ أَصْحَابُهُ، لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ.

وَسَلَكَ عَلَى الْحِجَازِ، حَتَّى إذَا كَانَ بِمَعْدِنَ، فَوْقَ الْفُرُعِ، يُقَالُ لَهُ: بُحْرَانُ (11)، أَضَلَّ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بَعِيرًا لَهُمَا، كَانَا يَعْتَقِبَانِهِ. فَتَخَلَّفَا عَلَيْهِ فِي طَلَبِهِ .

وَمَضَى عَبْدُ اللَّهِِ بْنُ جَحْشٍ وَبَقِيَّةُ أَصْحَابِهِ حَتَّى نَزَلَ بِنَخْلَةَ، فَمَرَّتْ بِهِ عِيرٌ لِقُرَيْشِ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَأَدَمًا، وَتِجَارَةً مِنْ تِجَارَةِ قُرَيْشٍ، فِيهَا عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيِّ .

فَلَمَّا رَآهُمْ الْقَوْمُ هَابُوهُمْ وَقَدْ نَزَلُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ، فَأَشْرَفَ لَهُمْ عُكَّاشَةُ بْنُ مُحْصَنٍ، وَكَانَ قَدْ حَلَقَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَوْهُ أَمِنُوا، وَقَالُوا عَمَّارٌ، لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ. وَتَشَاوَرَ الْقَوْمُ فِيهِمْ وَذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ (12) فَقَالَ الْقَوْمُ وَاَللَّهِ لَئِنْ تَرَكْتُمْ الْقَوْمَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ لَيَدْخُلُنَّ الْحَرَمَ، فَلَيَمْتَنِعُنَّ مِنْكُمْ بِهِ وَلَئِنْ قَتَلْتُمُوهُمْ لَتَقْتُلُنَّهُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ؛ فَتَرَدَّدَ الْقَوْمُ، وَهَابُوا الْإِقْدَامَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ شَجَّعُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِمْ، وَأَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْهُمْ، وَأَخْذِ مَا مَعَهُمْ .

فَرَمَى وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ بِسَهْمِ فَقَتَلَهُ، وَاسْتَأْسَرَ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْحَكَمَ ابْنَ كَيْسَانَ، وَأَفْلَتَ الْقَوْمَ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَعْجَزَهُمْ .

وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِِ بْنُ جَحْشٍ وَأَصْحَابُهُ بِالْعِيرِ وَبِالْأَسِيرَيْنِ، حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ .

فَلَمَّا قَدمِوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: مَا أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالٍ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ. فَوَقَّفَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ. وَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا .

فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِِِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُقِطَ فِي أَيْدِي الْقَوْمِ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا، وَعَنَّفَهُمْ إخْوَانُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا صَنَعُوا .

وَقَالَتْ قُرَيْشٌ قَدْ اسْتَحَلَّ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ الشَّهْرَ الْحَرَامَ، وَسَفَكُوا فِيهِ الدَّمَ، وَأَخَذُوا فِيهِ الْأَمْوَالَ، وَأَسَرُوا فِيهِ الرِّجَالَ . فَقَالَ مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، مِمَّنْ كَانَ بِمَكَّةَ: إنَّمَا أَصَابُوا مَا أَصَابُوا فِي شَعْبَانَ .

فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ } أَيْ إنْ كُنْتُمْ قَتَلْتُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَقَدْ صَدُّوكُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ الْكُفْرِ بِهِ، وَعَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْهُ وَأَنْتُمْ أَهْلُهُ، أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مَنْ قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ { وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ } أَيْ ثُمَّ هُمْ مُقِيمُونَ عَلَى أَخْبَثِ ذَلِكَ وَأَعْظَمِهِ، غَيْرَ تَائِبِينَ وَلَا نَازِعِينَ .

فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَذَا مِنْ الْأَمْرِ، وَفَرَّجَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الشَّفَقِ قَبَضَ رَسُولُ اللَّهِِِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ، وَبَعَثَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ فِي فِدَاءِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَكَمِ ابْنِ كَيْسَانَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِِِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نُفْدِيكُمُوهَا حَتَّى يَقْدَمَ صَاحِبَانَا - يَعْنِي سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ - فَإِنَّا نَخْشَاكُمْ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ تَقْتُلُوهُمَا، نَقْتُلْ صَاحِبَيْكُمْ فَقَدِمَ سَعْدٌ وَعُتْبَةُ، فَأُفْدَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِِِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ.

فَأَمَّا الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَأَقَامَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا . وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ، فَمَاتَ بِهَا كَافِرًا.

( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ أَوَّلُ غَنِيمَةٍ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ . وَعَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيِّ أَوَّلُ مَنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ أَوَّلُ مَنْ أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ )

ــــــــــ

الحاشية:

(1) إسناده صحيح . وأخرجه أحمد ( 4 / 43 ) , وأبو داود ( 499 ) , وغيرهم من طريق ابن إسحاق به . والرواية التى بين القوسين هي من المصدرين السابقين .

(2) ( بِطَوْقِهِ ) يُرِيدُ: بِطَاقَتِهِ، قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ

(3) موضع خارج مكة .

(4) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: شَامَةٌ وَطُفَيْلٌ: جَبَلَانِ بِمَكَّةَ.

(5) إسناده صحيح . وأخرجه البخاري ( 1889 ) من طريق أبي إسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة , وأخرجه مسلم ( 1376 ) مختصراً من طريق عَبْدة بن سليمان عن هشام بن عروة به .

(6) قال ابن كثير : وقد خالفه الزهري وموسى بن عقبة والواقدى، فذهبوا إلى أن بعث حمزة قبل بعث عُبيدة بن الحارث .

(7) نقب بني دينار في الحَرَّة الغربية في المدينة . لم يعد معروفاً اليوم . والنقْب : الطريق الضيق في الجبل .

(8) هي الدُّعيثة . وبها حي عمراني حديث يُسمَّى العزيزية .

(9) قرية مندرسة من قرى ينبع النخل , هي أقرب القُرَى إلى ساحل البحر

(10) الخرار : وادي الجحفة , يقع شرق رابغ على قرابة ( 25 ) كِيلاً .

(11) جبل , يبعد عن مدينة رابغ ( 90 ) كيلاً شرقاً . أي إلى جهة الطريق المؤدية إلى مكة .

(12) وهو من الأشهر الحُرُم .